هل تكون هذه المرة الثالثة مختلفة بالنسبة لمعدن الذهب ؟
يشهد المعدن الأصفر موجة ارتفاع قوية هي الثالثة من نوعها خلال الخمسين عام الماضية، ولكن المرتين السابقتين انتهتا بخسائر مؤلمة للمستثمرين.
المنطق السائد حاليا هو أن “هذه المرة مختلفة” – وهي عبارة لطالما كانت محفوفة بالمخاطر في أسواق المال.
هذه العبارة، التي ذاع صيتها بعد أن استخدمها الاقتصاديان “كارمن راينهارت” و”كين روجوف” في عنوان كتابهما الشهير “هذه المرة مختلفة: ثمانية قرون من الحماقة المالية”، تحذّر من الإفراط في التفاؤل عند مواجهة دورات الأصول المتكررة.
من المفترض أن يمثل الذهب ملاذ آمن ومحمي من تدخلات الحكومات وتقلبات السياسات النقدية.
وفي ظل موجة من الاضطرابات الجيوسياسية والمالية، تضاعفت قيمته خلال العامين الماضيين.
ومع ذلك، لا يخلو هذا الارتفاع من مؤشرات المضاربة الزائدة التي عادة ما تُنذر بتكوّن فقاعة.
شهدنا في السابق ارتفاعات مماثلة في أسعار الذهب، أبرزها في فترتي 1979-1980 و2010-2011، حيث كان المستثمرون آنذاك يخشون من تآكل قيمة الدولار بسبب ما اعتبروه تهاونا من الاحتياطي الفيدرالي في مواجهة التضخم.
ولكن ما لبثت تلك المخاوف أن تلاشت، حيث عادت أسعار الذهب للهبوط، ولم يستعد المعدن الأصفر ذروته المعدلة للتضخم إلا مؤخرا.
التحولات الحالية في الأسواق تدفع البعض للاعتقاد بأن الوضع قد يكون مختلف هذه المرة، لعدة أسباب جوهرية:
-
التحول الجيوسياسي بعد تجميد الاحتياطي الروسي، ما أثار شكوك البنوك المركزية في الدول النامية بشأن موثوقية النظام المالي الغربي.
-
القلق المتزايد من ضعف استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، وتضخم الدين العام الأمريكي، واحتمالية لجوء الحكومات إلى التضخم كحل سهل لتقليص عبء الديون.
ومع ذلك، فإن هذه المخاوف ذاتها كانت حاضرة خلال الدورات السابقة، وانتهت بخسائر حادة.
ففي عام 1980، تمكّن “بول فولكر” من كبح التضخم عبر سياسة نقدية صارمة، رغم الركود المزدوج.
وفي العقد الماضي، لم تؤدِّ حتى أسعار الفائدة السلبية إلى عودة التضخم كما كان متوقع.
أشار “سيباستيان ليون”، المؤسس والرئيس التنفيذي للاستثمار في شركة “Troy Asset Management”، والتي تمتلك الذهب المادي ضمن أدواتها، إلى أن عودة نسخة جديدة من “فولكر” قد تضر بأسعار الذهب.
لكنه لا يتوقع موقف متشدد من “جيروم باول”، ويؤمن بأن الذهب لا يزال في مسار صاعد على المدى الطويل، حيث يحتفظ بأكثر من 10% من أصوله في المعدن الأصفر.
عوامل دعم طويلة الأجل… وأخرى محفوفة بالشك
الأسباب طويلة الأجل:
الرهان الأساسي يتمثل في ما يُعرف بـ “تجارة تخفيض القيمة” – أي الرهان على أن الحكومات، بسبب ضعفها السياسي وتراكم الديون، ستُفضل التضخم على الانكماش.
في هذا السيناريو، يُعد الذهب بمثابة تأمين ضد الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة بشكل غير طبيعي.
لكن اللافت أن تكلفة هذا التأمين – أي سعر الذهب – ارتفعت بسرعة كبيرة.
السؤال هو: هل زاد الخطر فعلا بهذه السرعة؟ أم أن السوق يشهد موجة من المضاربات مدفوعة بتوقعات متبادلة؟
الحالة قصيرة الأجل:
المؤشرات هنا أقل إقناعا.
ارتفع الذهب بشكل حاد بعد خطاب “باول” في “جاكسون هول”، حيث لمح إلى تحوّل في سياسة الاحتياطي الفيدرالي من التركيز على التضخم إلى دعم الوظائف.
هذا ما دفع الأسواق لتوقع خفض أسعار الفائدة، وهو ما يدعم الذهب عادة.
ومنذ ذلك الحين، ارتفعت الأسعار بنسبة 28%.
لكن إذا ما نظرنا إلى الأسواق الأوسع، فإننا لا نرى دلالات واضحة على حالة ذعر من التضخم.
فقد استقر الدولار بعد موجة بيع، وارتفع مؤشر S&P 500، لكن هذا الارتفاع كان مدفوع بشكل أساسي بأسهم التكنولوجيا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، بينما شهدت قطاعات أخرى تراجعات موازية.
وفي المقابل، شهدت الأصول الأكثر مخاطرة أداء قوي – مثل صندوق “Ark Innovation الذي ارتفع بنسبة 18%، ومؤشر “Russell Microcap” بنسبة 13%.
أما مؤشر الأسهم الأمريكية منخفضة التقلب، فقد تراجع بنسبة 3%، ما يدل على عودة شهية المخاطرة.
فقاعة تلوح في الأفق؟
قفزت حصة الذهب من الأصول الاستثمارية العالمية من 4% إلى 6% خلال عامين، وهي أعلى نسبة منذ عام 1986، وفقا لاستراتيجيات “Goldman Sachs”.
وفي ذروة أزمة 1980، وصلت هذه النسبة إلى 22%.
رغم أن التوجه نحو الذهب يبدو مدعوم بعوامل منطقية، إلا أن الافتراض الأساسي لا يزال هو أن السياسيين والناخبين يفضلون التضحية بالإنفاق أو زيادة الضرائب على القبول بالتضخم المستدام.
غير أن أي تحوّل في هذا التوازن السياسي قد يعيد رسم خريطة الأصول العالمية، ويمنح الذهب موقع محوري في المحافظ الاستثمارية من جديد.
اقرأ أيضا: